بعد مشاهدة الحلقة الأخيرة من برنامج الأستاذ هيكل "تجربة حياة" على قناة الجزيرة الخميس الماضى والذى تناول فيها الأيام الأخيرة من حياة الزعيم جمال عبد الناصر ومحاولات اغتياله، سألت نفسى لماذا الآن تحديداً يطلق الأستاذ إشاراته وتلميحاته حول ضلوع السادات فى اغتيال رفيق كفاحه جمال عبد الناصر؟
"الأستاذ" برع بطريقته المعهودة فى قول كل ما يريد من خلال كلامه الذى لا يقطع بشىء و يدفع القارئ دفعاً إلى ما فى نفسه وما لا يريد التصريح به من اتهام للسادات حتى لا يؤخذ عليه.
"الأستاذ" سرد التاريخ المرضى لجمال عبد الناصر بإسهاب وأكد أنه لا يشكك مطلقاً فى الأطباء المحيطين به ، لكنه فى الوقت نفسه عرض محاولات اغتيال "ناصر" التى وقفت وراءها القوى الغربية وإسرائيل، خصوصاً بعد الدور المصرى لإنجاح الثورة الليبية وإنجاز حائط الصواريخ الذى أثبت فشل نظرية الغرب فى انتهاء "ناصر" بعد هزيمة 1967.
إذن كان لابد وأن تسعى القوى الغربية المعادية للتخلص من "الزعيم" الذى أثبت أن هزيمة بحجم 1967 غير قادرة على النيل من إرادته ومن حلمة بالقومية العربية ، وعندما تخطط القوى الغربية الكبرى بزعامة الولايات المتحدة ومعها إسرائيل لاغتيال "ناصر" فإنها لا شك ستفعل وستقدر على التنفيذ، لكن كيف؟
يترك الأستاذ السؤال مفتوحاً بلا إجابة أمام المشاهد الذى يلهث وراء حديثه الشيق ثم ينقلة نقلة "مهنية" تكفل للأستاذ النجاة بتلميحاته إذا يكرر أنه لا يستطيع تأكيد اغتيال عبد الناصر لعدم وجود دليل واضح ملموس حول حدوثه.. هكذا يرواح بين تأكيد الميل العاطفى لدى المشاهدين حول اغتيال عبد الناصر، وبين عدم تبنية لفظياً من منطلق أنه لا دليل بين يديه على وقوع الجريمة .
ووسط هذا الدخان اللفظى الكثيف الذى يطلقه "الأستاذ" ببراعته المعهودة يلقى بقنبلة فنجان القهوة الذى تطوع السادات لإعداده للزعيم قبيل وفاته، وكيف كسر السادات القواعد الأمنية وتحرك داخل المطبخ المصاحب لعبد الناصر فى لحظة توتر يسوقها هيكل باعتبارها لحظة إطلاق القناص لطلقته بعد أن ضبط كل إحداثيات بندقيته ليضع بذلك علامتى استفهام كبيرتين، الأولى أمام المشاهد المتعاطف الذى يكره فى سياسات السادات الانفتاح الاقتصادى وصعود الهامشيين وبداية تآكل الطبقة الوسطى.. كيف غاب فنجان القهوة الذى صنعه السادات للزعيم على أتباع الزعيم والمخلصين له وما أكثرهم ؟
أما علامة الاستفهام الثانية فيضعها هيكل حول مدى أصالة ومصداقية حكاية فنجان القهوة التى رواها بتشويق كبير ووضعها فى سياق اغتيالات عبد الناصر باعتبارها المحاولة "الماستر بيس" أو الجريمة الكاملة التى نجحت ولم يستطع أحد كشفها أو إثباتها!
من الواضح أن الأستاذ هيكل الذى لعب طويلا دور المشارك فى الحكم والناصح الأمين وصاحب الرأى النافذ وصانع مملكة الأهرام التى كان البعض يراها دولة داخل دولة عبد الناصر، لم ينس أبداً للراحل السادات أنه هو من طرده من مملكة الأهرام التى بناها وصعد بأسسها عالياً، كما لم ينس له أبداً إنزاله من مكانته العالية واعتقاله فى أحداث سبتمبر 1981، الأمر الذى اعتبره هيكل، وهو محق جزئياً طبعاً، جريمة لا تغتفر وثأراً لا يموت برحيل السادات
"الأستاذ" يكرس ما تبقى له من أيام للأخذ بثأره بإطلاق النارعلى ظلال السادات التى تكبر حولنا يوماً بعد يوماً، وهو فى ذلك يحشد كل قوته وبراعته ووثائقه التى لا أعرف كيف احتفظ بها طوال هذه السنوات وبأى حق حصل عليها، وبعضها سرى للغاية ينتمى لمؤسسة الرئاسة وغيرها من المؤسسات السيادية.
لكن هل يستطيع الأستاذ هيكل أن يصيب بنيرانه ظلال السادات؟ سؤال لابد وأن يبحث الأستاذ عن إجابته بنفسه!